مفاجآت عديدة أفرزتها نتائج الانتخابات المصرية يمكن تلخيصها كما يلي :
أولاً : المفاجأة الأولى تمثلت بحصول مرشح حركة الإخوان المسلمين بالموقع الأول وحصوله على أكبر من ربع عدد المصوتين في صناديق الاقتراع، وهي مفاجأة لم يكن يتوقعها أحد، ولكنها تحققت، رغم تراجع الإخوان المسلمين من حصولهم على نسبة 40 بالمائة من أصوات الناخبين للبرلمان، إلى نسبة 25 بالمائة من المصوتين لرئاسة الجمهورية، ولكن في الحالتين ثبت أن حزب الإخوان المسلمين هو القوة المنظمة الأولى في مصر يساعده في ذلك حجم الأموال التي تدفقت له وعليه، ما سهلت له فرصة تحقيق هذه النسبة المتفوقة التي حصل عليها.
ثانياً: نجاح أحمد شفيق رئيس الوزراء الأسبق في آخر عهد الرئيس حسني مبارك، في حصوله على نسبة 25 بالمائة بما لا يقل كثيراً عن مرشح الإخوان المسلمين، وهذا يدلل على قوة الإرث الذي تركه مبارك، وقوة مؤيدي الحزب الوطني المصري، ما يتطلب إعادة النظر في كيفية التعامل مع مرحلة مبارك، باعتبار ما لها وما عليها، وليس باعتبارها مرحلة شيطانية خالصة، انتقل خلالها الشعب المصري من النقيض إلى النقيض، بل ثمة تيارات وقوى اجتماعية متباينة، لها تأييدها لدى الشارع، وبالتالي لم ينتقل الشعب ولم ينحَز من جهة إلى جهة، بل أتيح له المجال عبر صناديق الاقتراع، فعبر المصريون عن انحيازاتهم الحرة، لمختلف التيارات السياسية.
نتائج الانتخابات تؤكد أن أصحاب القرار في مصر ارتكبوا حماقتين بعد نجاح الإطاحة بحسني مبارك:
1- محاكمة الرئيس، إذ كان من المفترض تحصينه من المحاكمة وتركه وشأنه، باعتباره يملك حصانة الرئيس، وعدم تقديمه للمحاكمة.
2- حل الحزب الوطني وحرمانه من العمل، فهذا عمل تعسفي لا يمت بصلة للديمقراطية، ولا يعكس تطلعات الشعب المصري نحو التعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وها هو الشعب المصري يقول كلمته تعبيراً عن رفضه في شيطنة المرحلة السابقة ورموزها، إذ إن محاكمة الفاسدين والذين تطاولوا على مقدرات الشعب المصري ونهبوا ثرواته وإدانتهم، يجب أن لا يشمل العناصر والقيادات البيروقراطية التي كانت تعمل في الإدارات الحكومية المختلفة، بما فيها من كان ملتزماً بالحزب الوطني، فالذين أيدوا شفيق ليسوا فلولاً طارئة، بل هم ربع المصوتين الذين وصلوا إلى صناديق الاقتراع .
ثالثاً : نجاح حمدين صباحي الذي حقق حضوراً مميزاً مما يدلل على وجود تيار قومي تقدمي ناصري سائد بين صفوف المصريين على الرغم من مرحلتي السادات ومبارك المعاديتين للناصرية وتراثها، ونجاحه في الحصول على الموقع الثالث وعلى أقل قليلاً من خمسة ملايين صوت ( 4.820 مليون )، بدون تسهيلات خاصة، ورشاوى مالية وعينية، وبدون دعم خليجي مالي وإعلامي كما توفر لمرشح الإخوان المسلمين، ولغيره، دليل عافية، لدى الشعب المصري وخياراته القومية التقدمية.
انتخابات مصر، بعد الثورة، سواء بالانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب أو لرئاسة الجمهورية، ليست نهاية المطاف ولكنها مؤشرات بعضها سيبقى ثابتاً، وبعضها سيكون عرضة للتغيير والتبديل، فالمفاجآت الثلاث، أعطت المراقبين فرصة إعادة النظر بتقديراتهم غير الواقعية، وها هي الانتخابات تعيد تصويب تقديرات المراقبين، كي تكون أكثر واقعية في التعامل مع الحالة المصرية بعد الثورة والتغيير على أسس ومعطيات مختلفة عما كان سائداً من قبل.
مصر، ونتائج انتخاباتها، لن تكون تأثيراتها محلية، تتعلق بالسياسة المصرية وحسب، بل ستشمل نتائجها مجمل الوضع في منطقتنا العربية، وفي قلبها القضية الفلسطينية والموقف من المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته، ولذلك لم يكن الخليجيون، بعيدين، عن سير الأحداث وتوجيه صناديق الاقتراع، بضخ البترو دولار والغاز دولار، للمرشحين وقواعدهم، وكذلك نشاطات وتأثير مؤسسات المجتمع المدني الممولة أميركياً وأوروبياً، في حمأة صراع سياسي مدني سلمي ديمقراطي يلعب المال والإعلام دوراً مركزياً في توجيه الناخبين نحو خياراتهم، وانعكاس ذلك على مجمل المسار الانتخابي ونتائجه في صناديق الاقتراع، فالنتائج ستكون سياسية، ممثلة بمن سيحكم مصر ولمصلحة من سيوجه قراراته.