عدد المساهمات : 156 التقييم : 2 تاريخ التسجيل : 20/07/2012
موضوع: مصر وأميركا.. عداء أم صداقة؟/ بقلم عادل الطريفي الأربعاء سبتمبر 19, 2012 6:13 pm
في كتابه «سنوات كارتر»، يروي بيرتون كاوفمن (2006) أن وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر حاول إقناع إدارة الرئيس كارتر باستقبال الشاه لظروفه الصحية، بعد ثورة آية الله الخميني في 1979.
وجهة نظر كيسنجر أن الشاه كان حليفا للولايات المتحدة، وأنه لا يجوز لأميركا أن تتخلف عن حلفائها، وإلا قاد ذلك إلى عزوف أصدقاء أميركا من قادة دول الشرق الأوسط عنها، وبحسب تعبيره لا يقبل أن يتحول الشاه إلى طائر هولندي تائه (Flying Dutchman) ـ في إشارة إلى الأسطورة الأوروبية التي كانت سائدة من القرن السابع عشر عن السفينة الهولندية «الشبح» والتائهة التي لا ترسو على مرفأ، بل تتبدى للناظرين فجأة ثم تختفي ـ وأنه لا يمكن الوثوق بالثوار الإيرانيين لأنهم بالأساس يقيمون شرعيتهم على معاداة أميركا والقيم الغربية.
طبعا، تخلت إدارة كارتر عن تلك النصيحة وطردت الشاه من مشفاه تحت ذريعة أن بقاءه سيعرض الأميركيين لأن يكونوا رهائن في طهران. على الرغم من ذلك، تم بالفعل احتجاز الرهائن الأميركيين فيما عرف كواحد من أطول الاعتقالات الدبلوماسية في القرن العشرين، وذهب كيسنجر ليطلب من صديقه الرئيس المكسيكي خوزيه لوبيز أن يأوي الشاه المريض والمطارد، قبل أن يبادر السادات إلى استقبال الشاه في أيامه الأخيرة.
خلال العام الماضي حدث جدل مشابه، إذ انتقد عدد من الجمهوريين في أميركا تسرع إدارة الرئيس أوباما في التخلي عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وفي واحدة من حلقات الجدل التلفزيوني الأميركي، قال عمدة نيويورك السابق رودلف جولياني إن مبارك كان حليفا جيدا لأميركا، وإن التخلي عنه لصالح المظاهرات الشعبية في مصر، مخاطرة في المجهول.
وزير الخارجية الأميركية الأسبق جيمس بيكر قال كلاما مشابها، وأضاف أنه لا يمانع أن يتبنى الرئيس أوباما ما عرف آنذاك بـ«الربيع العربي»، ولكنه يجب أن يدعم الأقوال بسياسات واضحة تراعي المصالح الأميركية، وليست فقط مجاراة لعواطف الشارع، والتفكير في تمني ولادة «ديمقراطية عربية»، وهو موقف احتفائي طغى على كتابات كثير من المثقفين والصحافيين الأميركيين.
غني عن القول إن إدارة الرئيس أوباما شجعت الإطاحة بنظام مبارك، وجادل بعض المثقفين والصحافيين الأميركيين - من اليسار الليبرالي - أن الإدارات السابقة قد أخطأت في دعم الأنظمة «الديكتاتورية» العربية، وأن ذلك خلق ـ على حد زعمهم - موجة التطرف الديني والسياسي، وأنه آن الأوان لتقبل واقع الشرق الأوسط، حتى وإن أدى ذلك لفوز جماعة الإخوان المسلمين، أو المشابهين لهم في التسيس الديني. واحدة من تلك الحجج كان مؤداها أن التطرف والإرهاب كانا نتيجة للأنظمة العلمانية الديكتاتورية، وأن «الربيع العربي» غير مؤدلج، وأن في ذلك دلالة على انحسار تنظيم القاعدة وجماعات التطرف، تحت ضغط التحول الديمقراطي وانفتاح الحريات أمام شعوب المنطقة.
هذا الاعتقاد - أو إن شئت التبسيط - تعرض لاختبار كبير خلال الأسبوع الماضي، حين هاجمت مجاميع مجهولة السفارة الأميركية في القاهرة على خلفية الرسوم المسيئة للإسلام. الإدارة الأميركية انتقدت ما سمته تقاعس السلطات المصرية في حماية السفارة المصرية، وتحفظت على البيانات المصرية الرسمية التي لم تكن (حسب رأيها) حازمة في إدانتها للاعتداءات التي جرت. ولعل ذلك ما دفع الرئيس أوباما في حوار مع محطة «تيل موندو» الأميركية إلى وصف ما حدث بـ«المفجع»، وحول سؤاله عن موقفه من الحكومة المصرية التي ترأسها جماعة الإخوان قال: «نحن لا نعتبرها حليفا، ولكنها ليست عدوا أيضا». المشاعر ذاتها كررتها وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حين أبدت امتعاضها من تحول بعض مواطني دول «الربيع العربي» إلى ممارسة العنف تجاه سفارات بلادها: «الأميركيون يسألون وأنا أسأل نفسي: كيف يحدث هذا في دولة ساعدناها وأنقذناها من الدمار؟»، بل ومضت لتقول إن: «شعوب ليبيا ومصر واليمن لم تستبدل بطغيان ديكتاتور طغيان الغوغاء». إلا أن الوزيرة وبشكل يبعث على الاستغراب قالت إن دولتها ربما تعيد النظر في موضوع «الثورة السورية»، نتيجة لما حدث.
برأيي أن إدارة الرئيس أوباما قد أخطأت الحساب فيما يتعلق بانتفاضات «الربيع العربي»، فهي حاولت في البداية ركوب موجة «الثورات» تحت ذريعة أنها لن تقف في وجه انتفاضات «الربيع العربي»، لأن ذلك يتناقض مع مبادئ الحرية والديمقراطية التي تؤمن بها، بل وكان البعض من داخل الإدارة يراهن على إمكانية التحالف مع الإسلاميين في السلطة، ولكنها حين أدركت، متأخرا، النتائج السلبية الطبيعية لحراك الشارع العربي المنفلت تنكرت لتلك الحقيقة. حتى لا نلوم الإدارة أكثر مما يجب، دعونا نراجع مواقف بعض الإنتلجنسيا الأميركية التي غرقت في التفكير الرغبوي بحيث ادعت أن بالإمكان إقامة علاقات «صحيحة» مع الإسلاميين في السلطة، وأن ذلك بوسعه القضاء على «تنظيم القاعدة»، كما ورد في موضوع الغلاف الأخير لمجلة «التايم» الأميركية عن اليمن، تحت عنوان «نهاية القاعدة» (17 سبتمبر «أيلول» 2012). ولكن (مهلا) فهذا التفكير لا يتسق مع طبيعة وظروف المنطقة، ومظاهرات «الرايات السود» في أكثر من بلد عربي وغربي هي دلالة على أن متشددي المنطقة قد استعادوا نشاطهم مع «الربيع العربي»، وليس العكس.
في حديثها لقناة «فوكس نيوز» الأميركية السبت الماضي، لخصت ليز تشيني ابنة نائب الرئيس الأميركي السابق ديك تشيني ما يدور بذهن كثير من الجمهوريين حيال ما يحدث»: لم يعد لدينا حلفاء، وحتى أعداؤنا لم يعودوا يخافون منا»، وهي في ذلك تعزو ما حدث من هجوم على السفارات الأميركية إلى فشل الإدارة الأميركية في التعاطي مع «الانتفاضات العربية»، وإلى «السطحية»، وعدم القدرة على التمييز بين الحلفاء والأعداء فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية لأميركا في المنطقة. الإسرائيليون من جهتهم كالوا أقسى الانتقادات للإدارة، في الوقت الذي تعتبر مصر ثاني أكبر المستفيدين من المساعدات الأميركية، وأبدوا في الوقت ذاته امتعاضهم من رفض أوباما للقاء نتنياهو، في حين استجاب الأخير للقاء الرئيس محمد مرسي.
برأيي أن الإدارة مخطئة في نقدها للمصريين. صحيح أن بعض الجهات الأمنية أعربت عن قلقها للرئاسة المصرية من احتمال حدوث هجوم على السفارة الأميركية، دون أن تعير الرئاسة الاهتمام اللازم لذلك التهديد. أيضا، الإدارة مخطئة لأنها اعتقدت أن مجرد اعترافها بحكومة تديرها جماعة الإخوان، يمنحها ذات المزايا التي كانت تتمتع بها زمن نظام مبارك.
للتذكير، فإن جماعة الإخوان كانت على الدوام - من خلال أدبياتها - خصما للمصالح والقيم الأميركية، بل وقد شارك بعض عناصرها في الماضي بالتظاهر ضد السفارة الأميركية في أكثر من حادثة، لعل أبرزها المظاهرات التي خرجت احتجاجا على إعادة نشر الرسوم المسيئة للإسلام في 2008.
من الطبيعي أن تشارك - أو تقود ـ الجماعة، المظاهرات في مثل هذه القضية، اتساقا مع تاريخها وآيديولوجيتها المعروفة، والحق يقال إن الجماعة هذه المرة لم ترغب في تصعيد الأزمة، بل وبادرت إلى إلغاء دعوتها للتظاهر بعد أن كانت وعدت بذلك. هذا بدوره يدل على أن الجماعة بوسعها أن تتنازل تكتيكيا، لكي لا تتوتر علاقاتها الخارجية.
ما جرى دليل على أن تبرير السياسات بالمعيار الأخلاقي وحده ليس خطأ فقط، بل هو تعدّ على القيم بحد ذاته. التخلي عن دعم الانتفاضة السورية لأن التدخل في ليبيا لم يخدم المصالح هو موقف غير موفق في أحسن الأحوال. الذي يريد أن تحترم قيمه ومبادئه عليه أن يكون حذرا في التلويح بها، لأنها لا ينبغي أن تكون أوراقا سياسية يستخدمها فقط لتحقيق المصالح المؤقتة.
إذا كانت الإدارة الأميركية فعلا جادة في التصدي للعنف والتطرف، فعليها أن تتذكر أن نظام الرئيس بشار الأسد قد لعب دورا محوريا خلال العقد الماضي في تغذية التطرف السياسي، وتسهيل دخول الإرهابيين إلى العراق، ودعم جماعة مسلحة ومتطرفة في لبنان على حساب الدولة المدنية.
قد لا تكون مصر صديقا، ولكن سوريا الرئيس بشار هي عدو بالفعل ومنذ زمن طويل.