عدد المساهمات : 188 التقييم : 0 تاريخ التسجيل : 17/06/2012 الموقع : https://s3eer.yoo7.com
موضوع: أحـوال السلف الصالح .. في الوفاء وإنجاز الوعد الجمعة أغسطس 03, 2012 4:12 pm
أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه. قال عمر: ما هذا!؟
قالوا: يا أمير المؤمنين نريد منك أن تقتص لنا من هذا الرجل فقد قتل والدنا.
قال عمر بن الخطاب: لماذا قتلته؟
قال الرجل: إني راعى ابل، وأحد جمالي أكل شجرة من أرض أبيهم فضربه أبوهم بحجر فمات، فامسكت نفس الحجر وضربته به فمات.
قال عمر بن الخطاب : إذا سأقيم عليك الحد.
قال الرجل : أمهلني ثلاثة أيام فقد مات أبي وترك لي كنزاً أنا وأخي الصغير فإذا قتلتني ضاع الكنز وضاع أخي من بعدي.
فقال عمر بن الخطاب: ومن يضمنك.
فنظر الرجل في وجوه الناس فقال: هذا الرجل.
فقال عمر بن الخطاب: يا أبا ذر هل تضمن هذا الرجل.
فقال أبو ذر: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال عمر بن الخطاب : إنك لا تعرفه. وإن هرب أقمت عليك الحد.
فقال أبو ذر: أنا أضمنه يا أمير المؤمنين.
ورحل الرجل ومر اليوم الأول والثاني والثالث وكل الناس كانت قلقلة على أبو ذر حتى لا يقام عليه الحد. وقبل صلاة المغرب بقليل جاء الرجل وهو يلهث وقد أشتد عليه التعب والإرهاق، ووقف بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
قال الرجل: لقد سلمت الكنز وأخي لأخواله وأنا تحت يدك لتقيم علي الحد.
فاستغرب عمر بن الخطاب وقال : ما الذي أرجعك. كان بإمكانك أن تهرب؟؟
فقال الرجل: خشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس.
فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟
فقال أبو ذر: خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس.
فتأثر أولاد القتيل، فقالوا لقد عفونا عنه.
فقال عمر بن الخطاب: لماذا؟ فقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس.
يُذْكَرُ أن النعمان كان قد جعل له يومين: يوم بؤس مَنْ صادفه فيه قتله وأرداه، ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه. وكان هذا الطائي قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره، فأخرجته الفاقة من محلِّ استقراره ليتحصل على شيء لصبيته، فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في يوم بؤسه، فلمَّا رآه الطائي علم أنه مقتول، فقال: حيَّا الله الملك، إن لي صبية صغارًا وأهلاً جياعًا، وقد أقدمني سوء الحظِّ على المَلِكِ في هذا اليوم العبوس، وقد قربت من مقرِّ الصبية والأهل، وهم على شفا تلف من الطوى، ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أول النهار وآخره، فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أُوَصِّل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحيِّ لئلاَّ يهلكوا، ثم أعود وأسلِّم نفسي. فلمَّا سمع النعمان حقيقة حاله، ورأى تلهُّفه على ضياع أطفاله، رقَّ له ورثى لحاله، غير أنه قال له: لا آذن لك حتى يَضْمَنَكَ رجل معنا، فإن لم ترجع قتلناه، وكان شَرِيكُ بن علي بن شُرَحْبِيل نديم النعمان معه، فالتفت الطائي إلى شريك، وقال له: (يا شريك بن عدي ... ما من الموت انهزام/ من الأطفال ضعاف ... عدموا طعم الطعام/ يا أخا كلِّ كريم ... أنت من قوم كرام/ يا أخا النعمان جُدْ لي... بضمان والتزام/ ولك الله بأني ... راجع قبل الظلام/ فقال شريك بن عدي: أصلح الله المَلِكَ، عليَّ ضمانه).
فذهب الطائي مسرعًا، وصار النعمان يقول لشريك: إن صدر النهار قد ولَّى ولم يرجع. وشريك يقول: ليس للمَلِكِ عليَّ سبيل حتى يأتي المساء.
فلما قرب المساء قال النعمان لشريك: قد جاء وقتك، قم فتأهب للقتل.فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلاً، وأرجو أن يكون الطائي.
قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتد عَدْوُه في سيره مسرعًا، حتى وصل، فقال: أيها الملك، مُرْ بأمرك. فأطرق النعمان، ثم رفع رأسه، وقال: والله ما رأيت أعجب منكما، أمَّا أنت يا طائي فما تركتَ لأحد في الوفاء مقامًا يقوم فيه، ولا ذكرًا يفتخر به، وأمَّا أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يُذْكَرُ بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألئم الثلاثة، ألا وأني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس، ونقضتُ عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك.
فقال النعمان للطائي: ما حملك على الوفاء وفيه إتلاف نفسك؟ فقال: ديني، فمن لا وفاء فيه لا دين له. فأحسن إليه النعمان، ووصله بما أغناه، وأعاده مكرمًا إلى أهله. التاريخ : 03-08-2012